بلاش فلسفة !


" بلاش فلسفة " عبارة كثيرا ما نسمعها أثناء الحوار بين طرفين يتناقشان في موضوع " ما " يقولها صاحبها زاجرا وساخرا في نفس الوقت
وخاصة عندما يبدي أحد الطرفين رأيا مخالفا لرأي الطرف الآخر أو يعلن رأيا جديدا غير مألوف أو غير متوقع أو حتى رأيا خاطئا من وجهه نظر صاحبه فيقول له:" بلاش فلسفة " وكأنه يطلب منه ألا ينظر للموضوع نظرة جديدة أو مختلفة وألا يفكر أويعمل عقله فلا داع للتفكير في الموضوع و عليه أن يلتزم برأيه هو أو بقاء الأمر على ما هو عليه وكأن التفلسف مدعاة للسخرية أوصمة عار لحقت بصاحبها وعليه أن يتخلص منها فورا !
وفي هذا مصادرة على الفكر وعلى إبداء الرأي في حين أن أهم ما يميز الإنسان عن بقية الكائنات هو قدرته على التفكير بما وهبه المولى عز وجل عقلا مميزا يعد أحد المعجزات الإلهيه وهو أساس التكليف في كل العبادات وبه يصبح الإنسان " إنسانا "
وعن هذه العبارة " بلاش فلسفة " يقول الدكتور "محمود أمين العالم " أحد كبار أساتذة الفلسفة والذي رحل هذا العام:" لم أجد عبارة أخطر على المجتمعات من هذه العبارة " وذلك لما تحويه من معان عدة خطيرة .
فإذا أبدى لك صاحبك رأيا مخالفا لأرائك ،ناقشه فيه وحاول أن تصل معه إلى نقطة التقاء ، وذلك بتقديم الأدلة والبراهين الدالة على صدق موقف كل منكما أما إذا كان رأيه خاطئا فيجب عليك أن تصححه له، وإذا كان رأيه جديدا وغير مألوف فدعه يقدم لك الأدلة والبراهين لإقناعك حتى يثبت سلامة موقفه
وبعيدا عن دراسة الفلسفة ومباحثها والمذاهب والاتجاهات المختلفة للفلاسفة على مر العصور وبعيدا عن المصطلحات الفلسفية المثيرة للجدل ،نجد أن لكل منا طريقته الخاصة في التفكير وفي التعامل مع الآخرين وحكمه على الأمور وكذلك طريقته في حل المشكلات التي تواجهه في حياته اليومية ،والدليل على ذلك نجد أن المشكلة الواحدة لها أكثر من حل من وجهة نظر الأطراف المختلفة التي لها علاقة بالمشكلة فكل طرف يراها من زاوية معينة بحسب طريقة تفكيره ونظرته للأمور
كل هذا في النهاية يشكل فلسفة خاصة بصاحبها أو ما يسمى بفلسفة " الإنسان العادي " والتي تختلف تماما عن فلسفة الفيلسوف ،
فالإنسان العادي دائما يقف أمام الموضوعات والمشكلات المختلفة في الحياة ويحاول أن يجد لها التفسير الذي يرضيه ليمنحه بعض الاطمئنان ، حتى وإن كان هذا التفسير خاطئا من وجهة نظر الآخرين ،فالإنسان يولد بطبعه فيلسوفا، سواء أراد ذلك أم لم يرد طالما لديه عقل واع قادر على التفكير ،فلا داع أن نقول "بلاش فلسفة " بل يجب علينا أن نقول " دعونا نتفلسف " .